يتزايد اعتماد الناس على البرمجيات لتصميم هياكل مادية معقدة مثل أجنحة الطائرات والغرسات الطبية. لكن مع تطور نماذج التصميم وقدرتها على الابتكار، لم تواكب تقنيات التصنيع هذا التطور. حتى الطابعات ثلاثية الأبعاد تواجه صعوبة في إنتاج التصاميم الدقيقة التي تُنشئها الخوارزميات بشكل موثوق. وقد أدى ذلك إلى فجوة بين الأداء المتوقع للمواد وبين أدائها الفعلي.
الآن، طور باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) طريقة تسمح للنماذج بأخذ قيود الطباعة ثلاثية الأبعاد في الاعتبار أثناء عملية التصميم. وفي التجارب، أظهروا أن نهجهم يمكن أن يُستخدم لصناعة مواد تؤدي وظائفها بشكل أقرب بكثير إلى ما هو مقصود لها.
تقول جوزفين كارستنسن، أستاذة الهندسة المدنية والبيئية المساعدة:
«إذا لم تأخذ هذه القيود في الحسبان، قد تودع الطابعات كمية أكبر أو أقل من المادة بشكل كبير، مما يجعل القطعة أثقل أو أخف من المطلوب. كما قد يؤدي ذلك إلى تقدير مبالغ فيه أو أقل من الواقع لأداء المادة. أما مع تقنيتنا، فأنت تعلم مسبقًا ما ستحصل عليه من حيث الأداء، لأن النموذج الحسابي والنتائج التجريبية يتطابقان بشكل جيد.»
وقد نُشر هذا النهج في مجلة Materials and Design في ورقة علمية مفتوحة الوصول، شاركت في تأليفها كارستنسن وطالبة الدكتوراه ها جين كيم-تاكوياك.
التوفيق بين النظرية والواقع
خلال العقد الماضي، أحدثت تقنيات التصميم والتصنيع الجديدة تحولًا في طريقة صناعة المنتجات، خاصة في مجالات مثل الطيران والسيارات والهندسة الطبية الحيوية، حيث يجب أن تحقق المواد نسبًا دقيقة بين الوزن والقوة ومعايير أداء أخرى. على وجه الخصوص، سمحت الطباعة ثلاثية الأبعاد بصناعة مواد ذات تراكيب داخلية أكثر تعقيدًا.
توضح كيم-تاكوياك: «توفر لنا عمليات الطباعة ثلاثية الأبعاد مرونة أكبر بشكل عام، لأننا لا نحتاج إلى قوالب أو أشكال كما هو الحال في الطرق التقليدية مثل القولبة بالحقن.»
وبالتوازي مع تطور الطباعة ثلاثية الأبعاد، تطورت أيضًا أساليب تصميم الهياكل المادية المعقدة. ومن أبرز هذه الأساليب التقنية المعروفة باسم تحسين الطوبولوجيا (Topology Optimization)، والتي تُستخدم لتوليد تراكيب مادية جديدة وغالبًا غير متوقعة، يمكنها التفوق على التصاميم التقليدية، وفي بعض الحالات الاقتراب من الحدود النظرية لمعايير الأداء. وتُستخدم حاليًا لتصميم مواد تتميز بصلابة وقوة محسّنتين، وامتصاص طاقة أكبر، ونفاذية للسوائل، وغيرها.
لكن تحسين الطوبولوجيا غالبًا ما يُنتج تصاميم على مقاييس دقيقة جدًا يصعب على الطابعات ثلاثية الأبعاد إعادة إنتاجها بدقة. وتكمن المشكلة في حجم فوهة الطباعة التي تُخرج المادة. فإذا حدد التصميم طبقة بسُمك 0.5 ملم مثلًا، بينما لا تستطيع الفوهة سوى إخراج طبقات بسُمك 1 ملم، يصبح التصميم النهائي مشوهًا وغير دقيق.
هناك مشكلة أخرى تتعلق بطريقة عمل الطابعات ثلاثية الأبعاد، حيث تقوم الفوهة بترسيب خيط رفيع من المادة أثناء حركتها عبر مساحة الطباعة لبناء الأجزاء طبقة فوق طبقة. وقد يؤدي ذلك إلى ضعف في الترابط بين الطبقات، مما يجعل الجزء أكثر عرضة للتشقق أو الفشل.
سعى الباحثون إلى معالجة الفجوة بين الخصائص المتوقعة والخصائص الفعلية للمواد الناتجة عن هذه القيود.
تقول كيم-تاكوياك: «فكرنا: بما أننا نعرف هذه القيود مسبقًا، والمجال أصبح أكثر قدرة على قياسها بدقة، فلماذا لا نصمم منذ البداية مع أخذها في الاعتبار؟»
في أبحاث سابقة، طورت كارستنسن خوارزمية تُدخل معلومات عن حجم فوهة الطباعة في خوارزميات التصميم الخاصة بالهياكل الشعاعية. أما في هذه الورقة، فقد طور الباحثون هذا النهج ليشمل اتجاه حركة الفوهة وتأثير ضعف الترابط بين الطبقات. كما جعلوا التقنية صالحة للهياكل الأكثر تعقيدًا والمسامية، التي يمكن أن تتمتع بخصائص مرونة عالية.
تتيح هذه الطريقة إضافة متغيرات إلى خوارزميات التصميم تأخذ في الحسبان مركز الخيط المترسب من فوهة الطباعة والمكان الدقيق لمناطق الترابط الأضعف بين الطبقات. كما تحدد تلقائيًا المسار الذي يجب أن تسلكه الفوهة أثناء التصنيع.
استخدم الباحثون تقنيتهم لصناعة سلسلة من التصاميم ثنائية الأبعاد المكررة تحتوي على مسام أو كثافات مختلفة. ثم قارنوها بمواد صُنعت باستخدام التصاميم التقليدية لتحسين الطوبولوجيا بنفس الكثافات.
في الاختبارات، انحرفت المواد المصممة بالطريقة التقليدية عن أدائها الميكانيكي المتوقع بدرجة أكبر من تلك المصممة باستخدام التقنية الجديدة عند كثافات أقل من 70%. كما وجد الباحثون أن التصاميم التقليدية تودع مادة أكثر من المطلوب بشكل متكرر. بشكل عام، أدت مقاربة الباحثين إلى إنتاج أجزاء ذات أداء أكثر موثوقية في معظم الكثافات.